أميون "داونتاون الكورة" بين التوسّع التجاري وتغيّر الحياة
إذا مررتَ بأميون قبل نحو خمس سنوات، فربما لن تتعرّف إليها اليوم. فالبلدة التي اعتادها أهل الكورة هادئة ومتواضعة تحوّلت تدريجيًا إلى ما يشبه "داونتاون الكورة"، بواجهاتها التجارية الجديدة، والمطاعم المشهورة المنتمية إلى سلاسل مطاعم (فرنشايز) التي تنتشر فروعها في مناطق عدّة، والمقاهي التي تتزاحم على طول الطريق الرئيسي. تغيّر المشهد العمراني والاجتماعي في آنٍ معًا؛ فحيث كان الشارع شبه خالٍ مساءً، بات يعجّ بالحياة والزوّار.
لم تعد الحركة مقتصرة على أبناء البلدة فقط، بل بات الناس من مختلف القرى المجاورة يقصدون أميون كوجهة يومية، يجتمعون في مقاهيها، ويتنقّلون بين مطاعمها، وتتحوّل سهرات نهاية الأسبوع إلى مشهد جماعي يملأ المكان صخبًا وضجيجًا واندفاعًا نحو كل ما هو جديد. هذا التحوّل اللافت لم يأتِ صدفة، بل كان نتيجة سلسلة تغيّرات اقتصادية واجتماعية وعمرانية أعادت رسم صورة البلدة خلال فترة قصيرة، وجعلتها محورًا أساسيًا في الحياة اليومية للقضاء.
لكن خلف هذا الازدهار السريع، يعيش أهالي أميون تحوّلات يوميّة يلمسونها عن قرب. فبعضهم يرى أنّ البلدة انتقلت من الهدوء إلى مركز تجاري نابض بالحياة، فيما يعتبر آخرون أنّ التغيير كان أسرع مما توقّعوا. أحد أبناء أميون، ممّن شهدوا هذا التحوّل منذ بدايته، يصف المشهد قائلًا "البلدة أصبحت مكتظّة في شكل لافت، والمحلات باتت ممتلئة دائمًا بطريقة لم نعهدها من قبل". ويشير إلى أنّ "وجود الغرباء بات جزءًا من يوميات الشارع، بعدما كانت البلدة لسنوات طويلة تفتقد الحيوية"، موضحًا أنّ "الحركة التجارية التي نشطت فجأة أعادت الحياة إلى الكورة وأميون بعد فترة بدت فيها شبه ميتة".
ولا يتوقّف التغيير عند الحركة التجارية، إذ يؤكد أنّ الدكاكين التقليدية لا تزال أساسية في حياة السكان رغم بروز الواجهات الجديدة. ويضيف "معظم المحلات الحديثة تهتم بالتسلية أكثر من تلبية الحاجات، لذلك لا نزال نعتمد على الدكاكين الأميونية القديمة، ونقصد السوبرماركت الكبيرة بين حين وآخر".
ومع تزايد الحركة، تبدّل أيضًا مشهد السكن. ويقول إنّ "الإقبال الكبير على أميون جعل كل الشقق مأهولة، ولم يعد هناك أي شقّة شاغرة"، لافتًا إلى أنّ بعض العائلات التي لجأت خلال حرب الجنوب بقيت لأنّها أحبّت البلدة. ومع الوقت، استمر الطلب على السكن حتى في الأوقات العادية، ما جعل أميون اليوم وجهة مفضّلة للاستقرار.
من جهة أخرى، يقدّم رئيس بلدية أميون (رئيس اتحاد بلديات الكورة) المهندس مالك فارس، قراءة مختلفة لهذا التحوّل، معتبرًا أنّ ما تشهده البلدة اليوم هو نتيجة عمل طويل تراكمي منذ عامَي 2018–2019. يقول في حديث لـ "كافيين دوت برس" إنّ "أميون استطاعت الحفاظ على قدر من الاستقرار رغم الأزمات التي مرّ بها لبنان، فلم تتراجع إلى الخلف، بل بقيت بلدة منظمة ونظيفة، ولم تغب عنها الشرطة ولا الحراس، وهذا أمر لعب دورًا أساسيًا في جذب الناس إليها."
ويضيف فارس أنّ الهدوء السياسي داخل البلدة أسهم في تعزيز هذا الاستقرار، موضحًا أنّ "أميون لم تشهد حساسيات سياسية داخلية، وهذا خلق بيئة مريحة للناس ولأصحاب المشاريع." ويشير إلى أنّ البلدية تتعامل مع كل مبادرة جديدة بروح داعمة، إذ "نحن مع الازدهار ولسنا مع تعطيل الأعمال. من يريد أن يباشر مشروعًا، نسهّل له وننظّم نشاطه بدل أن نعرقله، بل نساعده كي يتمكن من النجاح."
ويتابع أنّ البلدية قدّمت تسهيلات واسعة في السنوات الماضية، سواء في الترميم أو البناء، موضحًا أنّ توفير الظروف المناسبة لأصحاب المشاريع جعلهم يعودون باستمرار، وأن نجاح المقاهي وانتشارها كان أوّل مؤشر على هذا التغيير، قبل أن تتبعها مشاريع أخرى أكثر تنوعًا.
أما عن المنافسة، فيشير فارس إلى أنّها أمر طبيعي في بلدة أصبحت مقصدًا للناس من مختلف المناطق، معتبرًا أنّ المحال الصغيرة التي يملكها أبناء أميون "رغم أنها قليلة، فإنها استطاعت أن تنجح وتتقدم، ونحن دائمًا نحب أن ندعم هذه المحال ونشجعها."
ويختم رئيس البلدية بأنّ العمل مستمرعلى تنظيم السير والكهرباء والمسائل الأساسية الأخرى".
وفي السياق نفسه، يقدّم المحامي أديب الخوري، أحد مؤسّسي Khoury Shopping Center، رؤيته لموقعنا حول اختيار أميون للتوسّع. فيشرح الخوري أنّهم اشتروا الأرض عام 2017، وبدأ العمل بها بعد سنة، لكن المشروع توقّف في مطلع عام 2019 بسبب الأزمة، كما حصل مع معظم المشاريع في البلاد. وبعد مرور جزء كبير من الأزمات، قرّرت الشركة استئناف العمل في بداية عام 2025، على أن يكون الافتتاح في فترة الأعياد، قرب عيد الميلاد.
ويضيف أنّ التوسّع كان هدفًا طبيعيًا للسلسلة، "إذ نملك فرعًا أساسيًا في وسط البترون، وفرعًا آخر في جران"، موضحًا أنّ التوجّه نحو الشمال كان خطوة مدروسة. ويتابع "أردنا التوسّع في قضاء الكورة، فهو قريب منّا، ولدينا زبائن كثُر من هذه المنطقة يعرفوننا جيدًا."
ويشير الخوري إلى أنّ اختيار أميون لم يكن مخطّطًا مسبقًا، بل جاء بعدما "وجدنا الأرض المناسبة فيها، فكان الخيار جيّدًا". ويوضح أنّ هدفهم كان التوجّه نحو وسط قضاء الكورة، وأميون تقع في مركزه، وقريبة من شكا وأنفه وطريق بشري، ما جعلها موقعًا مثاليًا.
وعن المنافسة، يقول "لم نشعر بوجود منافسة كبيرة. بالتأكيد لم نفتتح من دون دراسة للسوق، وقد تبيّن لنا أنّ السوق قادر على الاستيعاب."
ويضيف أنّ شهرة السلسلة في المنطقة ساهمت في قرار التوسع "زبائننا في الكورة كانوا يقصدون فرع البترون من مختلف البلدات، فقرّرنا أن نكون أقرب إليهم".
ويُبدي الخوري موقفًا واضحًا من تأثير المؤسسات الكبيرة على المحلّات الصغيرة، فيقول "أنا لا أؤمن أنّ كثرة المؤسسات تُضعف السوق؛ فكلّما ازدادت المؤسسات كبُر السوق وأصبحت المنطقة مقصدًا أكبر." ويتابع مؤكّدًا دعمهم للدكاكين الصغيرة "لا يمكن الاستغناء عنها، فهي حاجة أساسية، وهناك عائلات تعيش منها. لذلك نعمل دائمًا بطريقة لا تضرّ بها، بل تضمن استمرارها بسلاسة."
ويكشف أنّهم حاليًا في مرحلة التوظيف استعدادًا للافتتاح، لافتًا إلى أنّ معظم العاملين سيكونون من أبناء المنطقة والجوار.
أما عن العلاقة مع البلدية، فيؤكد الخوري أنّ "البلدية لم تُعرقلنا أبدًا، وكلّ شيء تمّ ضمن القانون". ويشير إلى وجود "تسهيلات ضمن القانون، وتعاون واضح، لأنّ البلدية تهتم بإنماء أميون وترحّب بوجود المؤسسات الكبيرة في البلدة."
امام كلّ هذه التبدّلات المتسارعة، تبدو أميون اليوم أمام مرحلة جديدة تمامًا من تاريخها؛ مرحلة تتقاطع فيها حركة البلدية، وخيارات التجّار، وتدفّق الزوّار، في إعادة رسم هوية البلدة. وبين من يخشى فقدان الطابع التقليدي، ومن يرى في هذا النمو فرصة لا تعوّض، يبقى المؤكّد أنّ أميون دخلت فعليًا زمن "داونتاون الكورة"، وأنّ السنوات المقبلة وحدها ستكشف اتجاه هذا التحوّل وحدوده وتأثيره على حياة سكانها ومستقبلها الاقتصادي والاجتماعي.
