طلاب الفنون : طموحات في زمن الازمات
رغم الصعوبات التي تواجه الاعمال الفنية وسط الظروف المتقلّبة والأوضاع الاقتصاديّة والسياسيّة الصعبة التي يمرّ بها لبنان، لا يزال بعض الشباب اللبناني متمسّكًا بالسعي وراء طموحاته الفنيّة، والتخصّص في مجالي المسرح والسينما.
يقول شربل كريدي، طالب سنة ثانية في جامعة سيّدة اللويزة (NDU) تخصّص إخراج، إنّ اختياره لهذا المجال جاء نتيجة إلمامه بأفلام السينما منذ الصغر، ممّا أثار فضوله لاكتشاف هذا العالم ودراسته. أمّا خلال الدراسة، فتبيّن له أنّ كواليس هذا المجال تضاهي سحر الشاشة. ويلفت الى " الأجواء المرحة التي ترافق مراحل صناعة أيّ عمل مصوّر، وروح التعاون الموجودة بين الطلّاب، إذ إنّ الجميع يشارك في مشاريع غيره دون منّة، أو كما وصفها قائلًا: "بلا تربيح جميلة"، وذلك بدافع الحبّ والشغف لهذه المهنة".

الجامعة اللبنانية مرآة للبنان
في المقابل يقدّم جمال زركي، خريج الجامعة اللبنانيّة دفعة 2023-2024 فرع الحدث، صورة مختلفة عن واقع التعليم المسرحي في القطاع الرسمي. فقد اختار التخصّص في التمثيل والمسرح نتيجة شعوره بالانتماء لهذا المجال، وتمكّن من اجتياز امتحان الدخول من المرّة الأولى.
ويشير الى أنّ وضع الجامعة اللبنانيّة ما هو إلّا انعكاس للظروف التي يمرّ بها لبنان، قائلًا: "الجامعة اللبنانيّة مرآة لوضع البلد"، مضيفًا أنّ مستوى الجامعة قد تراجع بعد الأزمة الاقتصاديّة بسبب انخفاض عدد الأساتذة وتقاعس الجهات المعنيّة عن تقديم الدعم اللازم". وتمنى" إعادة النظر بالمناهج، واستبدال المواد الاختياريّة بتكثيف حصص التمثيل، فبدل الحصتين في الأسبوع مدّة أربع ساعات لكلّ حصّة، يمكن التمثّل بالمناهج الأجنبيّة التي تقدّم أربع حصص في الأسبوع مدّة الحصّة الواحدة ست ساعات".

ويرى جمال أنّ لكلّ جيل وقته ليبرز على الساحة الفنيّة، قائلًا: "هلّق مش وقتنا، بس لازم نضلّ نشتغل ونتطوّر لحدّ ما تجي الفرصة". وطالب بضرورة تقديم المسارح في لبنان تسهيلات أكبر لطلّاب وخريجي الجامعة اللبنانيّة، عبر السماح لهم بحضور العروض بأسعار رمزيّة أو المشاركة في كواليس العمل المسرحي حتى وإن كانت دون مقابل مادّي، لأنّ "الخبرة الميدانيّة أساسيّة، وسعر البطاقة اليوم مرتفع بالنسبة الى طالب في حاجة الى حضور العروض المسرحية اربع مرات في الأسبوع".
أمّا بالنسبة إلى ميرا ترّو، خريجة الجامعة اللبنانيّة دفعة 2023-2024 فرع الحدث تخصّص تمثيل ومسرح، فتعتبر من الناحية الأكاديميّة، أنّ الجامعة في حاجة إلى إصلاحات كثيرة من ناحية تحديث المعدّات وزيادة عدد الأساتذة، قائلة: "يوجد خلل في كلّ مكان، حتى لو كان صغيرًا". واشارت الى عجز الجامعة عن تقديم برنامج الماجستير في كلّ سنة دراسيّة نظرًا الى قلّة الطاقم التعليمي، وهذا يعود إلى تقصير الجهات الرسميّة مثل الوزارات المعنيّة ونقابة الفنّانين في تقديم الدعم المطلوب".
وترى أنّ إهمال المواهب الكفوءة من الجامعة إلى النقابة وصولًا إلى شركات الإنتاج، يُعدّ أمرًا محبطًا للخريجين كما للطلّاب الحاليين. وتشير إلى "أنّ المتابعة الأكاديميّة التي تقدّمها الجامعة غير كافية، فهي تركّز على تعليم تقنيات المهنة دون العمل على خلق علاقات ومعارف بين الطلّاب والناشطين في سوق العمل، ممّا يصعّب الأمور في مرحلة ما بعد التخرّج".
وتروي ميرا حادثة معبّرة "إذ تمّ تصوير مشاهد عدّة لمسلسل شهير داخل حرم الكليّة خلال أحد الفصول الدراسيّة دون السماح للطلّاب أو الخريجين بأن يكون لهم أيّ دور أو مساهمة في العمل، ممّا أحبط جميع الطلّاب الطامحين إلى دخول المجال الدرامي". واملت من شركات الإنتاج الكبرى "تنفيذ مشاريع ذات إنتاج متواضع بهدف إعطاء فرص للجيل الجديد، "والكثير من الخريجين والطلّاب على أتمّ الاستعداد للمشاركة في أعمال دراميّة دون النظر إلى المقابل المادّي، طامحين بفرصة لإبراز مواهبهم على الساحة الفنيّة".
ودعت إلى مساهمة أكبر من الحركات الثقافيّة في تقديم فرص للخريجين كي يتمكّنوا من عرض أعمالهم المسرحيّة أمام الجمهور العريض دون كلفة عالية.
ضرورة تحديث المناهج
يوافق الاستاذ في الجامعة اللبنانية الدكتور فيّاض صعب على أنّ وضع الجامعة اللبنانيّة في شكل عام " ليس بأفضل حال بسبب الأوضاع التي يمرّ بها لبنان وقلّة الدعم المادّي الذي تحصل عليه من الدولة". ويؤكّد "أنّ ما ينقص الطالب اللبناني هو تحديث المناهج، ويصرّ على أهميّة مواكبة عصر الذكاء الاصطناعي من خلال إدخال التقنيات الحديثة في كافّة المناهج التي يمكن الاستفادة منها في ظلّ هذه الثورة التكنولوجيّة، مثل التصوير، والمونتاج، والإخراج، والإنتاج وغيرها، ممّا يتيح أمام الطالب فرص عمل جديدة محليًا وعربيًا".
بالإضافة إلى تحديث المناهج، أشار صعب إلى ضيق سوق العمل اللبناني، والذي يشكّل بدوره عائقًا أمام الجامعات الخاصّة والعامّة في متابعة الطالب بعد التخرّج ومحاولة خلق فرص عمل له، إذ إنّ المؤسّسات الإنتاجيّة غير قادرة على استيعاب هذا الكمّ من الخريجين سنويًا.
وأوضح أنّ "بعض الجامعات قامت في السنوات الماضية بمبادرات ومحاولات صادقة لتأمين فرص عمل، ولكن جميعها باءت بالفشل". وأكّد أنّ نقابة الممثلين والجامعة اللبنانيّة على تنسيق دائم لمحاولة دعم الطلّاب من خلال تقديم الجامعة لكافّة البيانات الموجودة عن الطلّاب والخريجين للنقابة. ولكن للأسف تبقى شركات الإنتاج صاحبة القرار الأوّل والأخير، وهنا تكمن المشكلة.
أمّا من ناحية كتابة النصوص، فيؤكّد أنّ "النصوص التي يكتبها الطلّاب مغايرة تمامًا للصورة النمطيّة للدراما اللبنانيّة، إذ يُلاحظ أنّها خرجت من عباءة الكلاسيكيّات وباتت تتناول هموم ومشاكل المجتمع اللبناني، مثل: "الفقر، الحرب، البطالة، الحبّ..."، إلّا أنّ المشكلة الأساسيّة تكمن في عزوف المنتجين عن تبنّي النصوص التي تعنى بالشأن اللبناني، بحجّة أنّ الجمهور اللبناني يريد الهروب من مشاكله اليوميّة عبر مشاهدة أعمال ترفيهيّة أو دراميّة، لكن دون التطرّق إلى تلك المشاكل".

